سراقة بن مالك
حينما مكرت قريش بالنبي صلى الله عليه وسلم وأجمعت على قتله ،
خرج مع صاحبه ابوبكر الصديق رضي الله عنه مهاجرا إلى المدينه ،
*وعندماهَبتْ قُريشٌ ذاتَ صَباحٍ وجلة مذعورة. فقد سرى في أنديتها أن محمدا قد بارح مكة مستتراً بجُنح الظلامِ؛ فلم يُصدق زعماءُ قريشٍ النبأ...
واندفعُوا يبحثونَ عن النبيِّ في كلِّ دارٍ من دور بني هاشم....
وينشدونَه في كل بيتٍ من بيوتِ أصحابهِ، حتى أتوا منزلَ أبي بكرٍ، فخرَجتْ إليهم ابنتهُ أسماءُ.
فقال لها أبو جهلٍ: أين أبوك يا بنتُ؟
فقالت: لا أدري أينَ هو الآن.
فَرفعَ يدهُ ولطمَ خدّها لطمة أهوَت بقرطِها ( أسقطت حلقها وجعلتها تهوي هويا ) على الأرض.
رفبثت قريش عيونها في سبل مكة وشعابها بحثا عنهما، فنفضوا
الصحراء نفضا فما وقعوا له على اثر .
وحينما يئست قريش أن تقبض على النبي صلى الله عليه وسلم وضعت
جائزة مائة رأس من الإبل لمن يأتيها بمحمد صلى الله عليه وسلم
حيا أو ميتا ، وسراقة بن مالك رضي الله عنه كان في بعض أندية
قومه قريبا من مكة ، فإذا برجل يدخل عليهم ، ويذيع فيهم نبأ الجائزة ،
فما كاد سراقة رضي الله عنه يسمع بالنوق المائة حتى سال لعابه ،
واشتد عليها حرصه ، ولكنه كان ذكيا جدا ، فضبط نفسه ، ولم يفه
بكلمة واحدة حتى لا يلفت نظر الآخرين ، وقبل أن ينهض
سراقة رضي الله عنه من مجلسه ، دخل على مكان وجوده رجل
يقول :
واللهِ لقد مر بي الآن ثلاثة رجال ، وإني لأظنهم محمدا وأبا بكر
ودليلهما .
فقال سراقة رضي الله عنه :
( إنهم بنو فلان مضوا يبحثون عن ناقة لهم أضلوها )
يريد أن يصرف الناس عن هذه الجائزة ، فقال الرجل :
لعلهم كذلك ، وسكت .. مكث سراقة رضي الله عنه قليلا حتى لا يثير
اهتمام أحد ، فلما دخل القوم في حديث آخر انسل من بينهم ، ومضى
خفيفا مسرعا إلى بيته ، وأسر لجاريته بأن تخرج له فرسه في غفلة
من أعين الناس ، وأن تربطه له في بطن الوادي ، وأمر غلامه
بأن يعد له سلاحه ، وأن يخرج به خلف البيوت حتى لا يراه أحد ،
وأن يجعل السلاح في مكان قريب من الفرس ، ولبس سراقة رضي
الله عنه درعه ، وتقلد سلاحه ، وركب صهوة فرسه ، وطفق يغذ
السير ليدرك محمدا صلى الله عليه وسلم قبل أن يدركه أحد سواه ،
ويظفر بجائزة قريش .
ومضى سراقة رضي الله عنه يطوي الأرض طيا ، لكنه ما لبث
أن عثرت به فرسه وسقط عن صهوتها ، فتشاءم ، وقال :
( ما هذا ؟ تبا لكِ من فرس )
وعلا ظهرها ، غير أنه لم يمضِ بعيدا حتى عثرت به مرة
أخرى ، فازداد تشاؤما ، وهم بالرجوع ، فما رده عن همه إلا طمعه
بالنوق المائة ، فلم يبتعد سراقة رضي الله عنه كثيرا عن مكان
عثور فرسه حتى أبصر محمدا صلى الله عليه وسلم وصاحبه رضي
الله عنه ، فمد يده إلى قوسه ، ولكن يده جمدت في مكانها .
ثم رأى قوائم فرسه ساخت في الأرض ، فدفع الفرس فإذا هي
قد ساخت ثانية في الأرض ، كأنما سمرت بمسامير من حديد ،
فالتفت إلى النبي صلى الله عليه وسلم وصاحبه وقال بصوت ضارع ،
وقد أدرك لا بعقله ولكن بفطرته أن خالق الكون مع محمد صلى الله
عليه وسلم ، فالتفت إلى النبي صلى الله عليه وسلم وصاحبه رضي
الله عنه وقال بصوت ضارع :
( يا هذان ادعوا لي ربكما أن يطلق قوائم فرسي ولكما علي أن أكف
عنكما )
فدعا له النبي صلى الله عليه وسلم فأطلق الله له قوائم فرسه فأطلقت .
تذكر سراقة رضي الله عنه المائة ناقة ، فما لبثت أطماعُه أن تحركت
من جديد ، فدفع فرسه نحوهما فساخت قوائمها هذه المرة أكثر من
ذي قبل ، وهذه للنبي معجزة ، ولغيره من المؤمنين كرامة .
فاستغاث بهما للمرة الثانية وقال :
( إليكما زادي ، ومتاعي ، وسلاحي ، ولكما علي عهد الله أن أرد
عنكما من ورائي من الناس )
فقالا له : ( لا حاجة لنا بزادك ، ومتاعك ، ولكن رد عنا الناس )
ثم دعا له النبي صلى الله عليه وسلم فانطلقت فرسه ، فلما هم بالعودة
ناداهم قائلا :
( تريثوا أكلمكم ، فوالله لا يأتيكم مني شيء تكرهونه )
فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : " ما تبتغي منا ؟ "
فقال رضي الله عنه :
( والله يا محمد إني لأعلم أنه سيظهر دينك ، ويعلو أمرك فعاهدني
إذا أتيتك في ملكك أن تكرمني ، واكتب لي بذلك ، أريد وثيقة )
فأمر النبي صلى الله عليه وسلم الصديق رضي الله عنه فكتب له
على لوح عظم ، ودفعه إليه ، ولما هم بالانصراف قال له النبي صلى
الله عليه وسلم ، ويبدو أن هذا وحي من الله ، قال له :
( كيف بك يا سراقة إذا لبست سواري كسرى ؟ )
فقال سراقة رضي الله عنه في دهشة : ( كسرى ابن هرمز ؟ )
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " نعم كسرى بن هرمز "